languageFrançais

''تسريبات بنما''.. القضاء التونسي يفتح الملفّ مجددا

قرّرت النيابة العمومية فتح بحث تحقيقيّ بالقطب القضائي المالي والاقتصادي، ضد كل من سيكشف عنه البحث فيما يعرف بقضية ''وثائق بنما'' المتعلقة بتهريب الأموال في دولة بنما المصنفة ضمن الملاذات الضريبية.

وتعهّد قاضي تحقيق بالقطب بالبحث في القضية المتشعبة التي تتطلّب جملة من الاختبارات خصوصًا أن معظم الأموال هُرّبت باعتماد شركات وهمية وعبر التحايل على القانون، وفق ما صرّح به الناطق باسم محكمة الاستئناف بتونس الحبيب الطرخاني.

 

فماذا نعرف عن "وثائق بنما"؟ وأيّ علاقة لتونس بهذه الوثائق المسرّبة؟ 

 

أطوار قضيّة (Panama Papers) انطلقت في أفريل 2016 حين تمّ الكشف عن 11.5 مليون وثيقة سريّة لشركة ''موساك فونسيكا'' للخدمات القانونية في بنما والتي تملك منظومة مصرفية تجعلها ملاذاً ضريبياً وتقدم خدمات تتعلق بالحسابات الخارجية لرؤساء الدول وشخصيات عامة وسياسية ورجال أعمال ومشاهير في مجالات مختلفة.

وتمّ الكشف عن الوثائق عبر عمل صحفي استقصائي أجرته صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية ثم تواصل التحقيق تحت إشراف الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين وتحالف دولي يضم أكثر من 100 مؤسسة صحفية في أكثر من 70 بلداً.

وبعد سنة من التحقيقات في وثائق يعود تاريخها إلى حوالي 40 سنة، تتضمّن معلومات عن أكثر من 214 ألف شركة خارجية وتتعلّق بأشخاص في حوالي 200 بلد وإقليم، تمّ الكشف عن تورط 143 سياسياً في العالم بأعمال غير قانونية مثل التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتجارة الأسلحة والمخدرات عبر استغلال الأنظمة الضريبية الخارجية السرية.

وتعدّ تسريبات شركة ''موساك فونسيكا'' الأكبر في التاريخ، حيث فاق حجم الوثائق ما تمّ تسريبه في ''فضيحة ويكيليكس" سنة 2010، والوثائق الاستخباراتية السرية التي سربها ''إدوارد سنودن'' سنة 2013.

 

 

ما هي الملاذات الضريبية؟

 

الملاذ الضريبي أو الجنة الضرائبية Tax Haven هو البلد الذي يقوم بجلب الاستثمارات الأجنبية مقابل الحد الأدنى من المسؤولية الضريبية، وبالتالي يصبح بإمكان الشركات متعددة الجنسيات أو أصحاب الأموال من التهرب من القانون المفروض في بلدانهم وتمكينهم من دفع ضرائب أقلّ مما ينبغي.

وحددت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سنة 1998 المعايير الأكثر شيوعاً حول العالم لمعرفة الملاذات الضريبية أهمها انعدام الأنشطة الحقيقية، وغياب الشفافية وعدم وجود أي تبادل حقيقي للمعلومات، إضافة إلى تحديد ضريبة رمزية على المداخيل، وأحياناً الإعفاء التام مما يسمح بتضخم ثروات المستثمرين.

وحسب آخر ترتيب لأهمّ هذه الملاذات الضريبية حول العالم الصادر في 2021، احتلت جزر فيرجن البريطانية المركز الأول بنسبة 6.4% من مخالفات ضرائب الشركات في العالم، تليها جزر كايمان البريطانية بنسبة 6% (التي لا تُسنّ فيها أيّ ضرائب على الدخل الشخصي أو على أرباح رأس المال أو على الرواتب أو على ضرائب على الشركات).

المرتبة الثالثة كانت من نصيب جزر برمودا بنسبة 5.7% من التجاوزات الضريبية للشركات العالمية وتتركّز فيها 1.6% من النشاط المالي للشركات العالمية.

هولندا أيضا تعدّ من أحد الملاذات الضريبية بمؤشر يبلغ 5.5%، حيث تستقبل 11% من النشاط المالي للشركات في جميع أنحاء العالم، تليها سويسرا المسؤولة عن حوالي 5.1% من التجاوزات الضريبية العالمية .

وتحتل لوكسمبورغ المركز السادس بحوالي 4.1% من التجاوزات وتستقبل 9% من النشاط المالي العالمي للشركات متعددة الجنسيات.

 

 

سياسيون حول العالم متّهمون بالتهرب الضريبي وإخفاء الثروات

 

''تسريب وثائق بنما'' أماط اللثام عن تورّط 214 ألف من مؤسسات وشركات عالمية فى أكثر من 200 دولة و12 من زعماء العالم الحاليين والسابقين في إخفاء الثروات والتهرب الضريبي.

ومن بين من ذُكرت أسماؤهم في التحقيق الرئيس الأرجنتينى ورئيس وزراء جورجيا، وأيسلندا والعراق وقطر والسودان وأوكرانيا والراحل معمر القذافى، ونجل أمين عام الأمم المتحدة كوفى عنان، إضافة إلى شخصيات مقرّبة من رؤساء دول على غرار المغرب والباكستان وروسيا وسوريا والصين وغانا وماليزيا وجنوب أفريقيا وبريطانيا ومصر وإسبانيا.

 

الشبهة تلاحق 31 شخصية ومؤسسة تونسية

 

في تونس، تولّى موقع "انكيفادا" المتخصص في التحقيقات الاستقصائية نشر وثائق تتعلق برجال أعمال تونسيين وسياسيين تورطوا في قضايا التهرب الضريبي وتبييض الأموال في بنما والجزر العذراء البريطانية.

وكشف التحقيق أن ثلاث من الشركات مجهولة الاسم (الأوفشور) مسجلة بالجزر العذراء البريطانية ورابعة في بنما، إضافة إلى قيام ثلاث جهات تونسية بلعب دور الوسيط بين زبائن وهذه الشركات.
وذكرت الوثائق المسرّبة أن 31 شخصًا ومؤسسة تعاملوا مع شركات (الأوفشور) بغاية تحويل الأموال من تونس إلى بنما.

ونشر موقع "انكيفادا" سلسلة من المقالات حول المتورطين، وكانت البداية بمحام وسياسي سبق أن ترشّح للانتخابات الرئاسية، أظهرت وثائق "موساك فونسيكا'' أنه يمتلك أسهما في شركة أولى وهو محام في شركة ثانية ومشرف على شركة ثالثة جاهزة للنشاط استنادا لوثيقة صادرة عن الفرع السويسري" 'أتس أس بي أس "عام 2007.

كما تضمّنت وثائق بنما المسرّبة اسم سياسيّ معروف قام بربط الصلة بمكتب ''موساك فونسيكا'' للمحاماة من أجل تأسيس شركة غير مقيمة قصد استثمار أموال والقيام بصفقات على المستوى الدولي. وأيضا رجال أعمال أسّس بعضهم شركات في الجزر العذراء البريطانية وبنما.

تونس لم تنأ بنفسها عن ''فضيحة تسريبات بنما''، ورغم تحرّك وزارات المالية والعدل وأملاك الدولة وفتح النيابة العمومية لتحقيق وتعهيد القطب القضائي والمالي بالقضية مازال الملف يراوح مكانه منذ حوالي سبع سنوات.

والأرجح أن معطيات جديدة وراء فتح الملفّ مجددا مما قد يساعد في الكشف عن جوانب أخرى في القضية وقد يورط أسماء جديدة.

 

 

أميرة العلبوشي